منوال تنمية جديد أفقي عمودي : الخطوط العريضة…حسونة الجمعاوي

منوال تنمية جديد أفقي عمودي : الخطوط العريضة…حسونة الجمعاوي

14 نوفمبر، 20:30

ذكرني منوال التنمية الجديد الذي عرضه الحزب الدستوري الحر خلال الندوة الصحفية بتاريخ 13 نوفمبر  2022 بما كتبته ونشرته على صفحات هذا الموقع بتاريخ 05 فيفري  2015 تحت عنوان “منوال تنمية جديد، الخطوط العريضة”. وقد وجدت تقاربا وتشابها  كبيرا بين ما اقترحته في ذلك الوقت وما طرحه الحزب الدستوري الحر في برنامجه الاقتصادي والمالي.

وفي ما يلي ما تضمنه مقالي المنشور على موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس:

 دخلت تونس، مع انطلاق مؤسسات الدولة في العمل في إطار الجمهورية الثانية، مرحلة جديدة حساسة للغاية تميزت ولا تزال تتميز بتفاقم مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتأزم الوضع الاجتماعي المتأثر بما يدور حوله وهو في حالة استعداد لتحركات أكثر وأكبر حجم من سابقاتها من شأنها مزيد تعطيل الإنتاج وخلق الثروة أكثر فأكثر. وإلى جانب ذلك، شهد الوضع الإقليمي والدولي تقلبات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة أثرت سلبا على بلادنا بصفتها مفتوحة على العالم وتربطها علاقات تعاون في جميع المجالات خاصة مع جيرانها. كما ساهمت ظاهرة تفاقم التهريب والتجارة الموازية وتفشي الفساد داخل البلاد إلى جانب تنامي ظاهرة الارهاب في الداخل والخارج في تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي. هذا وقد أثبت منوال التنمية الحالي فشله في تخطي الوضع المتردي الحالي  وأكد على ضرورة التخلي عنه واعتماد منوال جديد يرتكز على ما جاء من مبادئ وحقوق دستورية تتعلق بالشغل والحرية والكرامة الوطنية وخاصة مبدأ تحقيق التمييز الإيجابي بين الجهات.

يرتكز منوال التنمية الجديد حسب رأيي على عدة عناصر أساسية اولها ربط مختلف المناطق بشبكات من التجهيزات الأساسية والبحث عن استغلال الثروات الطبيعية وخاصة منها المائية.  هذان العنصران سيمكنان من تركيز أقطاب اقتصادية وعمرانية وبناء  نشاط فلاحي قوي وتنافسي مع بروز عجزا مائيا يتفاقم من سنة إلى أخرى.

قبل التعرض إلى إلى هذا العنصر لمنوال التنمية الجديد الذي يتطلب إنجازه زمنا طويلا ومتوسط المدى يجب التفكير بصفة عاجلة في إصلاح منظومات الإنتاج ومنظومات الخدمات الإدارية واعتماد إصلاح جبائي جالب للاستثمار وأكثر عدالة إلى جانب وضع حيز التنفيذ سياسات عاجلة على المستوى المحلي ترتكز على مزيد تحسين مؤشرات التنمية البشرية وهي تمثل العنصر الأول من هذا المنوال الجديد:

1 ) التنمية البشرية على المستوى المحلي من خلال التخفيض من نسبة الأمية التي تصل إلى حدود 36 بالمائة ببعض الجهات مقابل 18 بالمائة على الصعيد الوطني وتحسين مختلف مكونات مؤشرات التنمية البشرية في المناطق الداخلية المعزولة (الصحة والتعليم وموارد الرزق). يمكن أن تتحقق مثل هذه الأهداف بتظافر المجهودات الوطنية والجهوية. 

2 ) التنمية المتكاملة بالجهات: من خلال تعبئة كل الطاقات الموجودة والاستغلال الأفضل للميزات التفاضلية المتوفرة بكل جهة والإسراع بوضع حيّز التنفيذ ما جاء بالدستور من حيث اللامركزية واللامحورية لتمكين الجهات من اتخاذ القرارات المناسبة لاستحثاث نسق النموّ ودعم القدرة التنافسية للجهات. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف قبل تحيين المخطط المديري الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (Un Schéma national de Développement Economique et Social  ) يمسح كل الجهات لإبراز الميزات التفاضلية ومواطن القوة لكل جهة، وتحديد التوجه التنموي الاقتصادي والاجتماعي على مستوى مناطق اقتصادية تنموية تشمل مجموعة من الولايات (Zone économique de Développement) ) و/أو مجموعة من المعتمديات و/أو على مستوى كل معتمدية على حده. ويمكن في هذا الحالة استغلال الخارطة الفلاحية المنجزة خلال الفترة السابقة لسنة 2011.

3) التنمية الفلاحية: تقوم السلط حاليا باسترجاع الأراضي الفلاحية للدولة وإعادة إدماجها في الدورة الاقتصادية. ولكن هذا لا يكفي لتفجير الإمكانيات الكبيرة التي تملكها بلادنا في الميدان الفلاحي أمام شح كبير في الإمكانيات المائية خاصة وأن ما يتوفر منها مستغل بنسب تفوق 200٪. وهنا أذهب حرفيا مع ما اقترحه الدكتور جلول الصغاري في كتابه “Plan d’urgences économique et sociale pour la Tunisie Postrévolutionnaire”.

4) العنصر الأساسي لمنوال التنمية الجديد يتمثل في المشاريع الكبرى للبنى الاساسية والتي تأتي في صميم منوال التنمية الجديد. فعلى المستوى الجهوي والإقليمي يقترح إلحاق الشريط الحدودي ببقية المناطق ( من طبرقة إلى جرجيس عبر الولايات الحدودية) وذلك بتركيز شبكة بنى أساسية متعددة الاختصاصات من طرقات وعمران اقتصادي وسكنى وخدماتي متكامل وعصري. ستمكن هذه الشبكة دون شك من تدعيم المؤشرات التنموية اقتصادية وصحية وتعليمة بهذه الجهات ولما لا تركيز مدن جديدة تساهم في تعلق السكان  بأراضيهم الأصلية:

  • اول هذه المشاريع هو المشروع الاستراتيجي الضخم الذي تداول في بداية الثمانينات والمتمثل في ربط مناطق الشريط الحدودي ببعضها البعض من طبرقة إلى جرجيس عبر الحدود الجزائرية الليبية وربطها مع المدن الداخلية والساحلية للجمهورية وتركيز مدن جديدة تأخذ شكل عمراني يمزج بين التقليدي والعصري وكذلك مناطق تجارية حرة على كامل الشريط الحدودي مع ما يتطلب ذلك من خدمات اجتماعية واقتصادية وتنموية فلاحية وصناعية وخدماتية.

 يمكن إنجاز هذه المشاريع في إطار مبدا الشراكة بين القطاعين العام والخاص وبتمويلات وطنية وأجنبية (في شكل قروض ميسرة وعلى مدى طويل أو في شكل مساهمات) وذلك في إطار كراسات شروط تأخذ بعين الاعتبار نتائج مخطط مديري وطني للتهيئة العمرانية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمخططات التنموية الجهوية التي ستكون دليل توجيه الاستثمارات.

مثل هذه المشاريع الاستراتيجية طويلة المدى  تمثل وحدها منوال التنمية الجديد الذي تتحدث عنه عديد الاطراف وتمكن من الاقلاع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد على مدى متوسط وطويل.

  • مشاريع إستراتيجية أخرى تتطلب الإنجاز في أقرب الآجال مواصلة لتدعيم البنى الأساسية للبلاد التونسية ومن شأنها المساهمة في خلق الثروة وتشغيل الجزء الأكبر من العاطلين عن العمل إضافة إلى انعكاساتها على جلب الاستثمار الداخلي والخارجي:
    • إنجاز وتهيئة الموانئ البحرية والمطارات:

 شهدت تونس منذ حلول الفنيقيين على سواحلنا تركيز العديد من مراسي السفن من بنزرت إلى جرجيس وقع تطوير وتوسعة العديد منها عبر العصور. وساهمت هذه المراسي في تنمية التجارة البحرية في عهد قرطاج والرومان إلى فترة الاستعمار. ويتطلب منوال التنمية الجديد تطوير هذه الموانئ لما توفره من مصادر للنمو. ولذلك يجب العمل على ما يلي:

  • توسعة مطار النفيضة بمراحله الثلاث

 وإنجاز ميناء المياه العميقة في أقرب الآجال وربطها بالطرقات السيارة التي تربط جهات البلاد من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب إلى جانب توسعة مطار صفاقس وقفصة وتوزر وجربة جرجيس وكذلك تهيئة وتوسيع ميناء رادس وبنزرت وقابس وجرجيس..

– إعادة مسار السكة الحديدية لما كانت عليه زمن الاستعمار الفرنسي وتوسعتها لتصل إلى الحدود الجزائرية الليبية

مواضيع ذات صلة