رُوح رمضان…. أ.سليم مصطفى بودبوس

رُوح رمضان…. أ.سليم مصطفى بودبوس

23 مارس، 17:30

مع إشراقة الشهر الكريم، شهر رمضان المعظّم، وككلّ سنة، تحضرني خواطر عديدة وأسئلة ملحّة عند الحديث عن رمضان وأبعاده الثاوية في الصيام. هذا الركن الرابع من أركان الإسلام عبادة تجعلك في علاقة مباشرة بينك وبين خالقك؛ فلا أحد من البشر يعرف مَن الصائم ومن المفطر؟
فالصوم من العبادات القليلة إن لم تكن الوحيدة القائمة على مبدأ المراقبة الذاتية؛ فكل العبادات الأخرى سواء أكان أداؤها فرديا أم جماعيا يمكن أن تقع تحت مراقبة الآخر وتوجيهه وتذكيره أبًا كان أو عالما أو شيخا أو… أمّا الصيام فهو كما جاء في الحديث القدسي “الصوم لي وأنا أجزي به”. إنّه درس الرقابة الذاتية، فالله أقرب إليك من حبل الوريد، الله عزّ وجلّ إن لم تكن تراه فإنه يراك فلا ملجأ منه في هذا الكون الواسع الرحيب إلا إليه.
روح رمضان ورَوْحُه ورَيْحانه في هذا المبدأ العزيز.. وأبعاده السامية تجعلك تستحضر هذا الشعور بالقرب الرباني: حالة لا تحلو إلا لمن حلّ فيها واستشعرها، بل لعلّها من أشدّ لحظات العبادة قربا إلى الله، فيزداد شعورك بقربه منك كلما انفردت بنفسك في يوم رمضان، ويتعاظم فيك ذلك الرقيب الداخلي توهّجا وتتضاعف مراقبتك لذاتك فتشعر بقوّتك بإنسانيتك بتميّزك الحقيقي عن غيرك من المخلوقات في مجابهة كل الشهوات.
نعم روح رمضان في هذه المراقبة الذاتية، وهذا في نظري معنى استمرار رمضان فينا بعد انقضاء الشهر الفضيل؛ ففي الوقت الذي تلحّ فيه الخطب الدينية على ضرورة أن تستمرّ فينا مظاهر العبادات المتعدّدة التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه في رمضان كالصلوات النوافل والصدقات والأذكار والقيام والتهجد وغيرها من العبادات… فإنّ هذا المعنى معنى المراقبة الذاتية يكاد يغيب في خطبهم وتوجيهاتهم وإرشاداتهم التي تسبق رمضان وتتخلّله وتعقبه.
فماذا لو استمرّ فينا رمضان/المراقبة الذاتية؟ ماذا لو استمرّ في عملنا واستحضرنا عين الله التي تحرسنا بجميع المعاني؟
ماذا لو استمرّت فينا هذه الإرادة الذاتية التي صمدت معنا شهرا كاملا توجّهنا بترك شهواتنا من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس؟
ماذا لو حلّت فينا روح رمضان في صِلاتنا وصَلاتنا فتركنا الشكل واهتممنا بالجوهر، بالداخل؟
ماذا لو استقرّ فينا رمضان بهذا المعنى واستوطن حياتنا؟
رمضان، يا شهر الإنسان في أعلى مراتبه الإنسانية، إنّك لتأتي وترحل ثمّ تعود من جديد.. ولا ندري مَنْ منّا يعود، لا ندري إن كنّا سنجاهد أنفسنا من جديد لنكون حقّا إنسانا رقيبا على ذاته قبل أن تراقبه أعين الناس وألسنتهم؟
“رمضان سيعود، ونحن قد لا نعود”… هكذا كان يحدّثني والدي رحمه الله آخر كلّ يوم في رمضان.. لم أفهم معانيها إلا حين فهمت روح رمضان.. حين تتجلّى إنسانيّتك الحقيقية في قدرتك على الاستمرار في مراقبة ذاتك بذاتك ولذاتك لا من أجل عيون الآخرين وكلامهم وتقديرهم أو انتقادهم وتعريضهم بك. فأهلا يا رمضان!

مواضيع ذات صلة