مُصالحة مدينة صفاقس مع شريطها الساحلي: منْ انتكاسة إلى أخرى!…بقلم توفيق مقديش

مُصالحة مدينة صفاقس مع شريطها الساحلي: منْ انتكاسة إلى أخرى!…بقلم توفيق مقديش

7 مارس، 19:00

يُعد الشريط الساحلي عادةً من أبرز المجالات التي يتم تثمينها في المدن لدوره في تنمية الاقتصاد وتحسين جودة الحياة. ولكن في صفاقس، شهد الشريط الساحلي الممتد من سيدي منصور شمالاً إلى طينة جنوباً على أكثر من 25 كلم تدهورًا مستمرًا لعقود، مما أدى إلى قطيعة شبه تامة بين المدينة والبحر.

منذ أواسط الثمانينات من القرن الماضي، تم الاعتراف بضرورة استعادة العلاقة بين المدينة والبحر، وتم إدراج هذا الهدف الاستراتيجي في مخططات التنمية ووقع  تضمينه في كل وثائق التهيئة التي تهم المدينة.

وعلى الرغم من بطء وتيرة المصالحة، تحقق بعض التقدم في هذا المجال، مثل إغلاق مصنع NPK عام 1992، واستصلاح الساحل الشمالي في إطار مشروع تبرورة (2009)، وتعهد الدولة بإغلاق مصنع السياب، الذي تم تنفيذه أخيرًا عام 2018.

رغم هذه الخطوات الإيجابية، تشير بعض التطورات الأخيرة إلى تعطل أو حتى التراجع عن هذا التوجه.

في المدة الأخيرة، ظهرت مؤشرات تدعو إلى القلق بشأن مصالحة المدينة مع شريطها الساحلي ويمكن بإيجاز التذكير بأهمها:

يعود أصل مشروع تبرورة إلى أوائل الثمانينات، حيث كان يهدف إلى إزالة التلوث من الساحل الشمالي وتحويله إلى فضاء عمراني وترفيهي. ورغم انتهاء عملية الردم والتطهير عام 2009 وأصبحت حوزة المشروع تمتد على 420 هكتار ولكن بعد 16 سنة، لا تزال الأراضي المستصلحة غير مستغلة، ما يثير تساؤلات حول التزام الحكومات المتعاقبة بتنفيذ المشروع.

رافق تعطل إنجاز مشروع تبرورة عزل تام للمنطقة وإحكام غلقها من كل النواحي بما في ذلك الشاطئ الذي يمتد على 6 كلم بل وقع تشييد خندق من الجهة الجنوبية يحول دون الدخول من الشاطئ المحاذي له , و في كل سنة مع اقتراب فصل الصيف تتجدد الآمال لفتح شاطئ تبرورة و لو جزئيا و في سنة 2023 تضافرت الجهود من أجل ذلك و انعقدت بمقر ولاية صفاقس جلسة عمل  و تم الاتفاق على فتح شاطئ تبرورة الجنوبي المحاذي لفضاء الكازينو للسباحة و الاستحمام و اتخاذ كل التدابير لضمان سلامة و أمن  المواطنين و تجهيزات شركة تبرورة و إحالة الطلب إلى السلط المركزية لكن الطلب اصطدم بالرفض ، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لذلك .

ولا توجد في الوقت الحالي مؤشرات تنبؤ بإنهاء الغلق القسري للشاطئ!

هناك خطط لإحداث منشأة لصناعة السفن بالقرب من شاطئ الكازينو، مما أثار مخاوف بيئية وتنموية، نظرًا لموقعه القريب من مركز المدينة وشاطئ الكازينو ومنطقة تبرورة.

تسعى وزارة النقل إلى تنفيذ الطريق الشمالي-الجنوبي في جزئه الأوسط على شكل ممر أرضي في قلب المدينة مما يهدد بعزل الشريط الساحلي عن مركز المدينة، ويعيق إمكانية تطوير “شط القراقنة” كميناء ترفيهي ومجال حضري متطور.

بعد إغلاق السياب سنة 2018 لم تظهر بوادر لتفكيك المصنع واستصلاح أراضي المنطقة لذلك برزت مخاوف من عودة النشاط إلى مصنع السياب بالخصوص بعد الأنباء المتعلقة بإقرار سحب الفوسفوجيبس من قائمة النفايات الخطرة.

إن المؤشرات التي وقع ذكرها قد تعني التخلي عن خيار مصالحة المدينة مع شريطها الساحلي وهو أمر يدعو إلى الاستغراب باعتبار أن هذه المصالحة أصبحت منذ عقود خيارا استراتيجيا وقع تضمينه في وثائق رسمية نذكر من بينها المثال التوجيهي لصفاقس الكبرى لسنة 1998 ومن المفروض أن هذ ه الوثائق ملزمة لكل الإدارات بما في ذلك المستوى المركزي.

إن المدينة بحاجة إلى مصالحة مع البحر، وهذه المصالحة مسألة حيوية وهي تهدف أولا وبالذات إلى جبر الضرر ورد الاعتبار إلى سكان مدينة جعلتها القرارات الخاطئة في قطيعة مع شريطها الساحلي وبصفة خاصة الأنشطة الفوسفاطية التي دمرت شواطئها ومناطق الترفيه التي كانت موجودة والمصالحة خيار استراتيجي نصت عليه وثائق رسمية، ويجب تفعيله على أرض الواقع وبالتالي ينبغي التخلي عن المشاريع التي تتناقض مع هذا التوجه.

كما أن هذا الخيار يجب أن يكون ملزمًا لجميع الجهات المعنية، بما في ذلك الإدارات المركزية، مع الابتعاد عن التدخلات الأحادية التي تتجاهل المصلحة العامة والقرارات الفوقية التي تعيد المدينة إلى مربع الأخطاء.

من ناحية أخرى إذا انتبهنا إلى التحولات الحديثة للمجالات المينائية في العالم فإنه يجوز-حاليا- اعتبار تركيز الأنشطة الصناعية في المناطق المينائية المحاذية لمراكز المدن مفارقة تاريخية (Anachronisme).في جل هذه المدن  تم نقل كل الأنشطة الملوثة و الثقيلة بعيدا عن مناطق العمران و تحويل المواقع المينائية القديمة إلى وجهات حضرية سياحية وترفيهية نابضة بالحياة ، مما عزز من اقتصادها المحلي.

مواضيع ذات صلة