إذاعة صفاقس:البوصلة في اتجاه  توسيع دائرة الثقافة والفكر….رضا  القلال

إذاعة صفاقس:البوصلة في اتجاه توسيع دائرة الثقافة والفكر….رضا القلال

5 نوفمبر، 21:46

في المدة الأخيرة تزينت إذاعة صفاقس بشكل مختلف، وبدت كأنها في فترة استثنائية احتفت فيها بثلاثة مبدعين دفعة واحدة.  يبدو أن الإذاعة اختارتهم بعناية فائقة، واختيار مقصود لتصوغ من خلالهم بداية رؤية مغايرة، وهي تقترب رويدا رويدا من الذكرى 59 لتأسيس الإذاعة والتي تصادف يوم 8 ديسمبر القادم، تعمل على توجيه البوصلة إلى الثقافية والفكر بشكل أوسع وأعمق وأشمل.

تقول السيدة ندى الشعري مديرة إذاعة صفاقس ببعد أرحب: “الثقافة تؤسس لوعي جماعي متعدّد تبثّه الإذاعة وينتشر في المستمعين. وفي هذه الظروف ترتقي الثقافة إلى المرتبة الأولى، لأنّ ما من سبيل آخر سوى المعرفة للنظر إلى الذات وتطويرها، وللعيش تحت شمس العصر”.

الاحتفاء بثلاثة مبدعين

عبد المجيد الحاج قاسم، د. محمد بن محمد الخبو، د. خالد الغريبي

استدعت الإذاعة عبر كوكتال المنتج النوري الشعري الأستاذين الجامعيين د. خالد الغريبي ود. محمد الخبو المحالين-كما درجنا على القول- على شرف المهنة، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس. ود. محمد بن محمد الخبو متخصّص علمي في مناهج تحليل النص الأدبي والسرديات،  من أعماله “مدخل إلى الشعر العربي الحديث” و”الخطاب القصصي في الرواية العربية”. أما د. خالد الغريبي وهو أستاذ تعليم أيضا، شارك في العديد من الملتقيات والندوات والمؤتمرات العلمية داخل البلاد وخارجها. وله العديد من المؤلفات المنشورة في الشعر والسرد والمسرح والنقد.

هل تستأنف إذاعة صفاقس الطفرة الثقافية؟

هذه الاستضافات اليت تقطر ادبا وفكرا أعادتني إلى الذاكرة الإذاعية، وإلى لحظة البدايات حين شكل تأسيس إذاعة صفاقس 8 ديسمبر 1961 منبرا للثقافة والمثقفين.  وقد جمع المبدع عبد العزيز عشيش في ذلك الزمن كل الانتلجنسيا بمدينة صفاقس. ولعبت الإذاعة بفضله أدوارا مهمة في احتضان المبدعين. وتحوّلت هذه الوسيلة الإعلامية الناشئة، والصاعدة من فكرة ذكية، إلى حاضنة للأقلام الأدبية والفكرية والموسيقية والمسرحية. وشكلت بيئة للثقافة والتراث وفضاء للإشعاع. كما انفتحت على جغرافيات الوسط الجنوب وتحوّلت الى ظاهرة ريادية في الإعلام. وهذه التجربة لا تفقد راهنيّتها وإن تقادم عهدها، لتعاود الآن تشغل حيّزا كبيرا من تفكير الإذاعة، وفي هذا السياق تقول مديرة إذاعة صفاقس:“المعرفة هي التي تصل بنا إلى المجتمع الديمقراطي السليم، وهي التي تهيئ للوطن المواطن الصالح وهي أيضا قوام الحضارة والثروة “. وهنا نستعيد بعض أسماء الجيل الأول وما تلاه من المنتجين الأدباء والمسرحيين والموسيقيين نذكر منهم على سبيل الرصد محمد محفوظ(محقق) ومحمد الشعبوني وابراهيم بورقعة وعامر التونسي ومحمد الجموسي ومحمد بودية وعلي الحشيشة وأحمد جبير وأحمد سالم بلغيث وأحمد العش ورشيد العيادي وعلي المكي وعلي الزواري(المؤرخ)….

والى جانب ذلك قررت إدارة إذاعة صفاقس خوض تجربة جديدة وجريئة وطريفة تتمثل في مصافحة يومية موسومة “صفاقس في مثل هذا اليوم” من إنتاجي وتقديم الصديقة شادية دريرة بن عياد،  وهي نافذة على تاريخ مدينة صفاقس في استعادة أحداثها ورموزها من علماء ومناضلين وأدباء وفنانين… من النساء والرجال واسترجاع أبرز الفعاليات الثقافية والعلمية التي شهدتها مدينة صفاقس.

إذا قيل من هو اللغوي في تونس فإنه عبد المجيد الحاج قاسم

أحدث محمد بن محمد الخبو منعرجا عربيا في مجال السرديات والنقد

خالد الغريبي من أبرز الجامعيين الذين لهم إسهامات خارج جدران الجامعة

فهل تستأنف إذاعة صفاقس تلك المغامرة الثقافية الجريئة؟ وهل تحمل بذور النشأة المستأنفة في ذلك؟ إن آلية السؤال تحتّم هذه الوقفة، سيما وأن   ظروف التطورات الداخلية للوطن،  واكتساح كورونا تتطلب مراجعة شاملة، ومسؤولية فكرية وأخلاقية.  والعمل على امتلاك رؤية تغيير، بمعنى الاحتفاء بالجديد وتجديد الأسئلة في الآداب والفنون والعلوم، يحتاج ربما إلى الانحياز إلى الابداع عامة انحيازا خلاّقا،  وفتح الميكرفون منبرا للثقافة والخيال الطليق وفضاء للحوار الحر والأدب المبتكر من أجل  مجد الكلمة التي تدعو إلى الحق والجمال والحرية والإبداع.

بقي أن اذكر أن الاستاذين د.محمد محمد الخبو ود.خالد الغريبي من المشاركين في كتاب “عبد المجيد الحاج قاسم، رحلة الكتابة والحياة” الذي سعدت بصياغة فكرته واستمتعت بتنسيق ورقاته(15 ورقة و224 صفحة). وإذا قيل من هو اللغوي في تونس فإنه عبد المجيد الحاج قاسم. محمد بن محمد الخبو أحدث منعرجا في مجال السرديات وفي مجال النقد، وهو من الركائز صلب الجامعة التونسية والعربية. خالد الغريبي من أبرز الجامعيين الذين لهم إسهامات خارج جدران كلية الآداب بصفاقس.

لا أعرف حقيقة من أين  اقترب من منطقة الخاتمة؟ ولا كيف تكون؟ هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم هو كثير لديّ. الأستاذ عبد المجيد كثير عالم جليل وهو كثير في كل شيء، في إنسانيته في عمله في محبته في علاقته بتلاميذه في عطائه الابداعي في سماحته في لقائه في تورعه في رعايته لأسرته ومحبته لأبنائه في رده عليك حين تهاتفه في حسن طويته ونقاء سريرته. الأستاذ خالد الغريبي ومحمد بن محمد الخبو كلّ واحد منهما هو كثير لديّ أيضا. كل واحد منهما يهدي سبيل المسلك العلمي للطلبة والباحثين، ويفتح لهم آفاق المعرفة والعلم، ويعلّم كيف تكون البحوث الجامعية سبيلا للترقّي العلمي. عكف الاثنان على الكتابة والدراسة والبحث وتحريك الفعاليات العقلانية والثقافية والفكرية في تونس وخارجها، وتميّزا ببساطة ساحرة وآسرة في ذات الوقت.

بماذا اختم؟ أنا أعتقد أن ما وصلنا إليه في مجتمعنا يعود إلى أننا بسبب إحساس خاطئ وقناعة زائفة اعتبر البعض أن العمل الثقافي والفكري عمل جانبي وهامشي. وهكذا مع الأسف جهل الكثير ما يمكن أن تقوم به الثقافة من مهمات، قد يكون بعضها مصيريا ونتائجه جسيمة كما نرى الآن.   زد على ذلك أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الأفكار، ولا بد أن نكون فيه مبدعين، ولا معنى لأيّ شيء بدون أفكار وما تتطلبه من خلفيات ثقافية وفكرية وعلمية. الثقافة هي عماد الحياة وهي الرأسمال الرمزي الذي يسبغ معنى على حياتنا والتي لها آثار ناعمة وطويلة المدى سواء على الاجتماع أو الاقتصاد أو السلوك.

رضا القلال 

مواضيع ذات صلة