وقف حمار الشيخ في عقبة الغرياني..!!…عبد  اللطيف دربالة

وقف حمار الشيخ في عقبة الغرياني..!!…عبد اللطيف دربالة

9 نوفمبر، 22:02

إعلان راشد الغنّوشي زعيم حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب عن تعيين آخر أمين عام لحزب التجمّع قبل الثورة محمّد الغرياني مستشارا له بالبرلمان مكلّفا بملفّ المصالحة.. هو عمل بمثابة الحرث في البحر.. فلا هو عمل عاقل.. ولا هو عمل مثمر..!!-يعتقد راشد الغنّوشي أنّ المصالحة بين المنظومة القديمة ما قبل الثورة.. وبين المنظومة الجديدة.. يمرّ وجوبا بالخضوع لإشراك بعض أركان نظام بن علي.. وبعض أعمدة الديكتاتوريّة في المنظومة الجديدة.. وهو قول ليس فقط لا يستقيم.. ولكنّه أثبت على أرض الواقع فشله مرارا منذ سنة 2011.. وكان وراء حالة التعطيل والجمود والفشل التي سيطرت على منظومة الحكم الجديدة طوال عشر سنوات ما بعد الثورة..لأنّه مهما كانت النوايا حسنة (افتراضا) لدى أركان المنظومة القديمة.. فإنّ القوّة الدافعة لديهم تتجّه ولو لا شعوريّا نحو إفشال تجربة الحكم الجديدة.. أو على الأقلّ عدم المشاركة في إنجاحها إن لم يشاركوا في عرقلتها.. وذلك بدافع إثبات أنّ الماضي أفضل من الحاضر.. وأنّ ما قبل الثورة هو أفضل ممّا بعدها.. وأنّهم لم يخطؤوا في السياسة التي اتّبعوها قبل 14 جانفي 2011.. وأنّ من شيطنهم هو الذي على خطأ وليس هم..!!وأنّ تونس كانت أفضل بفضلهم..!!-حتّى حالة الهدوء السياسي النسبي التي نتجت عن سياسة التوافق.. خاصّة مع حزب نداء تونس والباجي قايد السبسي الذين رفعوا لواء المنظومة القديمة.. وجمعوا في صفوفهم الكثير من رموز النظام السابق.. فإنّها واقعيّا وإن كانت هادئة.. لكنّها لم تكن مثمرة.. لا سياسيّا ولا اقتصاديّا ولا ماليّا ولا اجتماعيّا..بما يثبت وزيادة بأنّ شجرة التوافق لم تنتج ثمارا سياسيّة ناضجة ذات قيمة..!!-لكنّ سخرية الموقف تأتي تحديدا من تعيين محمّد الغرياني بالذات.. الذي كان يرابط بدار التجمّع الدستوري الديمقراطي عندما كان مئات التجمعيّين يتسلّحون فيها بالعصيّ والهروات استعدادا لصدور الأمر إليهم بالتصدّي بالقوّة والعنف لآلاف المواطنين العزّل الذين كانوا يحتجّون سلميّا أمام وزارة الداخليّة وسط العاصمة صبيحة يوم 14 جانفي 2011.. كما أثبتته الأبحاث والتحقيقات والاعترافات لاحقا.. تعيينه تحديدا في ما يخصّ ملفّ المصالحة.. ومن أجل تحقيق المصالحة الشاملة كما يحلم رئيس النهضة..!!وهو أشبه بالخيال العلمي..!!!-يعني الرجل الذي كان يدير الحزب الواحد الحاكم.. والذي كان يفوق مجرّد الحزب السياسي.. وأشبه بالبوليس السياسي.. ويعمل في جزء منه كجهاز استعلامات وأمن وميليشيّات غير معلنة.. ويمثّل دولة داخل الدولة.. وسلطة موازية فوق السلطة الرسميّة لسائر أعضاء الحكومة والولاة وسائر المسؤولين السامين في الدولة.. هذا الرجل الذي كان المسؤول الأوّل عن إدارة كلّ ذلك.. ومشرفا على ماكينة الديكتاتوريّة تلك.. سيصبح مستشارا برئاسة مجلس نواب الشعب.. الهيكل الممثّل لإرادة الشعب.. والذي هو مصدر السلطة الديمقراطيّة في تونس اليوم.. وسيفتي في ملفّ المصالحة والعدالة الانتقاليّة..!!!-قرار تعيين محمّد الغرياني هو قرار سياسيّ متسرّع آخر.. ويدخل في خانة التكتيكات السياسويّة الضيّقة التي انتهجها زعيم حركة النهضة مرارا.. وطوال سنوات منذ الثورة.. وهي تخدم حزبه حركة النهضة بأكثر ممّا تخدم تونس والتونسيّين..!!يحاول الغنّوشي تسويق ذلك التعيين.. كتسويقه لغيره من الخيارات والقرارات السياسيّة السابقة المثيرة للجدل.. مثل التخلّي عن قانون تحصين الثورة.. وسياسة التوافق.. وقانون المصالحة.. ومساندة الباجي قايد السبسي في الانتخابات الرئاسيّة.. ومساندة يوسف الشاهد لاحقا ضدّ السبسي.. بأنّها في مصلحة البلاد وتفيدها..لكنّ الجميع يعلم بحكم التجربة بأنّ تلك القرارات هي حزبيّة أساسا.. ولم تكن غالبا مفيدة للبلاد..!!-بل أنّ الغنّوشي يحاول أساسا المحافظة على توازن وسلامة وبقاء حزبه في مواجهة موجة الرفض العالية من الكثير من القوى السياسيّة بالبلاد.. ومن جانب أنصار المنظومة القديمة.. ومن أنصار الثورة المضادّة.. ومن معارضي الاسلاميّين.. ونسبة من الذين يعتقدون بأنّ تعثّر الثورة منذ سنوات معناه أنّ ما قبلها أفضل.. وذلك عبر محاولة الغنّوشي احتواء المنظومة القديمة.. معتقدا بأنّ التجمّع الدستوري الديمقراطي هو عمودها الفقري..وأنّ محمّد الغرياني هو أحد رموزها وأقطابها الفاعلين والمؤثّرين حقّا..وهو ما يعكسه بوضوح تصريح الغنّوشي اللّيلة في حواره التلفزي على القناة الوطنيّة 1 بأنّ محمّد الغرياني “عنده الباتيندة متاع التجمّع”..معتقدا بذلك أنّ احتواء الغرياني.. الذي قال بأنّه اعترف بأخطائه السابقة واعترف بالثورة وبالدستور الجديد.. يعني احتواء التجمّع.. وبالتالي احتواء كامل المنظومة القديمة..!!!-الحقيقة أنّ الغنّوشي يحاول جاهدا وفقط من خلال تعيين الغرياني احتواء موجة المدّ وأيّ صعود محتمل لعبير موسي وحزبها الدستوري الحرّ.. ومحاصرتهما.. وذلك بمحاولة إظهار أنّها لا تمثّل التجمّع ولا المنظومة القديمة.. وأنّ محمّد الغرياني (رئيسها السابق في الحزب الحاكم) هو الذي يمتلك “باتيندة التجمّع” وليس عبير..!!لكنّ أيّ محلّل سيسهل عليه فهم أنّ عبير موسي لا تجد أنصارها بين التجمعيّين غالبا.. بل تجد أنصارها أساسا بين رافضي النهضة والمعادين للإسلام السياسي.. وغير المؤمنين بالثورة.. والذين يشعرون بالحنين إلى أنظمة القمع والاستبداد والديكتاتوريّة وإلى سيّدهم بن عليّ..وهؤلاء لا يمكن لهم إطلاقا تتبّع محمّد الغرياني أو غيره.. طالما آمن بالثورة.. واعترف بأخطاء النظام السابق.. وسلّم بالديمقراطيّة.. و”طبّع” مع الإسلاميّين.. وتوافق مع النهضة.. ودخل تحت جلباب الشيخ..!!-إنّها حسابات خاطئة ما في ذل شكّ..وتكتيك عقيم..وبيع لوهم جديد من الغنّوشي للشعب التونسي..هذه المرّة تحت راية “المصالحة الشاملة” عبر بركات محمّد الغرياني.. وبركات أذيال حزب التجمّع الاستبدادي المنحلّ..!!!

مواضيع ذات صلة