
إضطراب التزويد بالمواد الأساسية: الإشكاليات والحُلول ….بقلم حُسونة جمعاوي
تذمر كبير في الشارع التونسي خلال هذه الأيام بسبب تزامن ارتفاع أسعار الكثير من المواد مع فقدان بعض المواد الأساسية وخاصة مادة السميد والزيت النباتي المعد للاستهلاك العائلي ومادة الخبز. ه
ذا الوضع حقيقي ولا يمكن نكرانه لانه بارزا للجميع وقابلا للانفجار في أي وقت لا قدر الله.
والغريب أن فقدان المواد الاساسية استفحل خلال الأيام الفارطة بصفة تبعث على الخوف من انعكاساته على الوضع الاجتماعي. والملفت للانتباه ان فقدان هذه المواد أصبح يتكرر يوميا صباحا ومساءا وفي أول الشهر وفي نهايته خلافا لما كان عليه في السابق. وما زاده تأزما ان مادة الخبز أصبحت لا تروج بمحلات التجارة بالتفصيل حيث يكتفى أصحاب المخابز ترويجه داخل محلاتهم.
في السابق كان الخبز متوفرا في الصباح بجميع محلات التجارة بالتفصيل ويبرز النقص بعد الظهر بالنسبة للمخابز المصنفة حيث يحول أصحابها الحصة اليومية ويروجونها في النصف الأول من اليوم ثم يعمدون إلى الراحة بقية اليوم. وأصبحت العديد من هذه المخابز تغلق أبوابها بعد نفاذ حصصها من الفرينة خلال الأسبوع الأخير من كل شهر إن لم نقل أكثر.
وفي ما يتعلق بمادة السميد تتمثل الإشكالية في ضعف الحصص الشهرية من القمح الصلب المخولة للمطاحن التي لا تكفى لتغطية حاجيات السوق من هذه المادة من جهة ولا تكفي لتشغيل طاقة إنتاج المطحنة ومصنع العجين الغذائي من جهة ثانية خاصة وأن جميع المطاحن تمتلك مصنعا للمقرونة والكسكسي خاص بها وبالتالي من مصلحة أصحابها تحويل معظم الحصة لصنع العجين الغذائي على حساب حاجيات السوق من السميد.أما الزيت النباتي المعد للاستهلاك العائلي فإن الإشكاليات متعددة منها ما يشترك فيها مع بقية المواد المدعمة من حيث نقص الكميات المعدة للتعليب بالمقارنة مع تطور الاستهلاك العائلي ومن حيث الفارق الكبير بين سعر الزيت المدعم وغير المدعم وهو ما يجعل الإقبال المتزايد على هذه المادة سواء من الأسرة أو من المهنيين مع الأسف أصحاب محلات الأكلات الخفيفة والحلويات ومصانع المصبرات والدهن الإصطناعي وأيضا مجمعي الزيوت الغذائية المستعملة المعدة لصنع البيو دييزال.
اشكاليات أخرى تهم جميع المواد المدعمة وتتعلق بعدم خلاص مستحقات الدعم في آجالها للمؤسسات العمومية (ديواني الحبوب والزيت وديوان التجارة) وللمطاحن والدعم الذي يعود للمخابز لتعويض تكاليف صنع الخبز.الحلول: هي عديدة أذكر باهمها:أولا اثبتت التجارب انه في صورة فقدان التوازن بين العرض والطلب بسبب نقص مادة من المواد بالسوق أو تزايد الإقبال عليها خلال المواسم الاستهلاكية فإن تشديد المراقبة الاقتصادية تصبح غير ناجعة وتزيد في تأزم الوضع تصل إلى درجة غياب تلك المادة من السوق وتساهم في تنامي “الاقتصاد تحت الارضي”.
وما نلاحظه حاليا هو اعتماد وزارة التجارة كليا على المراقبة وخاصة رئيس الجمهورية من خلال تصريحاته الإعلامية. وما يزيد في تأزم الوضع هي العقوبات الإدارية المسلطة على المخالفين مثل قرارات الغلق او المنع من التزود بالمواد الأولية المدعمة للمطاحن او المخابز او تجار التوزيع بالجملة. هذه العقوبات مآلها التخفيض في صنع وترويج منتوجات مدعمة تشهد ضغوطات كبيرة في السوق وهو ما يزيد في ندرتها او فقدانه.
الحل الانجع والسريع في مثل هذه الحالات الذي أراه صائبا هو تعديل العرض بكميات تفوق المعتاد إلى حد إشباع السوق بتلك المادة لفترة معينة لا تقل عن شهر. وهنا اطالب وزارة التجارة وتنمية الصادرات التخلي عن نظام الحصص لمدة شهر في المواد التي تشهد ضغوطات (القمح الصلب والقمح اللين للمطاحن وفرينة الخبز للمخابز والزيت النباتي للمعلبين) وبالتوازي مع ذلك يأتي دور المراقبة الاقتصادية اللاحقة المشددة.
ثاني الحلول يتعلق بإعادة طريقة احتساب الحصص الموزعة على المهنيين في اتجاه الترفيع فيها حتى تأخذ بعين الاعتبار العادات الاستهلاكية للمواطن التونسي وخاصة خلال فترة الضغوطات الكبيرة على الطاقة الشرائية للمواطن. حيث أن الجميع يعلم أن المواطن التونسي يحتل المرتبة الأولى عالميا في استهلاك مشتقات الحبوب بمعدل 180 كلغ سنويا مقابل معدل عالمي ب 123 كلغ للفرد عالميا، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية فإن الضغوطات المسلطة على الطاقة الشرائية تجعل الأسرة التونسية تميل اكثر إلى استهلاك المواد المدعمة وخاصة مادة الخبز والزيت النباتي المدعم نظرا لعدم قدرتها على تنويع الأكلة. والواقع ان حصة هذه المواد في مصاريف الاسرة قد تضاعفت مع تدهور وضعيات الأسر التي تعتبر متوسطة الدخل.
ثالث الحلول هو الشروع في دعم الدخل عوضا عن دعم الأسعار وذلك بالاستئناس بالتجارب الأجنبية مثل المغرب والبرازيل وإيران وغيرها من التجارب الناجحة. وقد أثبتت هذه التجارب ان دعم الدخل أفضى إلى نتائج إيجابية للغاية من حيث مساهمته في توجيه الدعم نحو مستحقيه ودعم دخل الأسرة وتنويع الوجبات الصحية.
علما وإن التجربة البرازيلية اتجهت نحو دعم الأسرة مغ توجيه الدعم نحو التعليم والصحة والترفيه. كما أثبتت طريقة دعم الدخل نجاعتها من حيث التخلص من الفوارق الكبيرة بين أسعار هذه المواد والمواد غير المدعمة وهو ما يجعل الاستعمال المفرط للمواد الأساسية في غير الأغراض المخصصة لها ينتفي نهائيا. كما ساهمت الطريقة المذكورة في الضغط على تكاليف الدعم مهما ارتفعت منحة دعم الدخل. للإشارة فإن كل تونسي يتمتع بدعم في المواد الغذائية بحوالي 85 دينار سنويا منها 35 دينار في مادة الخبز وذلك دون اعتبار دعم مواد الطاقة. الحل الرابع يتعلق بدمج المؤسسات العمومية ذات الاختصاص (monopole) قصد الضغط على تكاليف التصرف وبالتالي تكاليف الدعم والتخلص من الخسائر المتراكمة لهذه المؤسسات. حيث يختص ديوان الحبوب في توريد مادة واحدة (الحبوب) وتخلى عن تجميع العصابة لفائدة القطاع الخاص.
ويختص ديوان الزيت في توريد مادة واحدة (الزيت النباتي المدعم) وتخلي علي زيت الزيتون لفائدة القطاع الخاص. كما يختص ديوان التجارة في توريد مادة السكر والشاي وبعض المواد الموسمية. والمقترح هو دمج هذه الدواوين في مؤسسة واحدة تعنى بجميع هذه المواد.